نشأته
ينحدر فرحات عباس من أسرة فلاحية كثيرة العدد بها 12 طفلا، وكان
والده سعيد بن أحمد عباس يعمل في الإدارة الاستعمارية، قايدا [1] [2] .
زاول فرحات عباس تعليمه الابتدائي في مسقط رأسه، والثانوي في مدينة سكيكدة
[2]، وقام بالخدمة العسكرية فيما بين عامي 1921 و1923 [3] انتقل للعاصمة
لإكمال تعليمه الجامعي وتخرج بشهادة عليا في الصيدلة عام 1931، وفتح صيدلية
في سطيف سنة 1932. وقد كان خلال فترته الطالبية نشيطا إذ ترأس جمعية
الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا بالجزائر فيما بين 1927 و1931 بعد أن كان
تولى نيابة رئيسها قبل ذلك عام 1926-1927 [2]، وكان قريبا من حرمة الشبان
الجزائريين التي تكونت عام 1908 وفي عام 1930 أصدر مجموعة مقالاته الصحفية
في كتيب عنوانه "الشاب الجزائري" وفيه عبر عن أفكاره الإصلاحية والتحديثية
[3]. لقد كان فرحات عباس ذا ثقافة فرنسية ولم يتحدث العربية قط. ومثلما كان
هناك دولة-مدينة فإن فرحات عباس كان دولة-شخص. فلم تكن له قاعدة ثابتة من
المعتقدات أو الأتباع، إلا أن مثابرته وتكيفه السريع مع المتغيرات المستجدة
جعلت منه قوة لا يمكن للدول تجاهلها عند التعامل مع المشكلة الجزائرية.
العمل السياسي
عرف
فرحات عباس بانفتاحه السياسي والفكري، حيث تحول خلال حياته السياسية التي
تمتد على أكثر من ثلاثين سنة، من فكرة الاندماج إلى الفكرة الاستقلالية،
ومن الإصلاحية إلى الثورية، ففي عام 1936 كتب في جريدة الوفاق الفرنسي
مقالا شهيرا تحت عنوان 'فرنسا هي أنا'، أكد فيه دعوته إلى الاندماج مع
فرنسا، مستنكرا وجود الأمة الجزائرية، حيث قال: "لو كنت قد اكتشفت أمة
جزائرية لكنت وطنيا ولم أخجل من جريمتي، فلن أموت من أجل الوطن الجزائري ،
لأن هذا الوطن غير موجود، لقد بحثت عنه في التاريخ فلم أجده وسألت عنه
الأحياء والأموات وزرت المقابر دون جدوى". وكان قبل ذلك قد انضم إلى
فيدرالية النواب المسلمين الجزائريين التي أسسها الدكتور بن جلول عام 1930
والتي كانت تهدف إلى جعل الجزائر مقاطعة فرنسية [4]. وخلال الحرب العالمية
الثانية دخل الجيش الأمريكي الجزائر ليطرد الحكومة الموالية لحكومة فيشي في
8 نوفمبر 1942، . فاتصل فرحات عباس بروبرت ميرفي، المبعوث الشخصي للرئيس
الأمريكي فرانكلين روزفلت إلى شمال أفريقيا لتقرير مصير المنطقة بعد الحرب.
وفي 20 نوفمبر 1942، أرسل فرحات عباس ومجموعة من الجزائريين برسالة إلى
قوات الحلفاء يرحبون بهم ويعرضون "باسم شعب الجزائر القيام بتضحيات بشرية
ومادية، بشروط، لدعم الحلفاء حتى يتحقق النصر الكامل على دول المحور".
وبتاريخ 22 ديسمبر 1942 وجه فرحات عباس رسالة إلى السلطات الفرنسية وإلى
الحلفاء طالب فيها بإدخال إصلاحات جذرية على الأوضاع العامة التي يعيشها
الشعب الجزائري، وصياغة دستور جديد للجزائر ، ضمن الاتحاد الفرنسي ، ثم
أصدر في فيفري 1943 بيان الشعب الجزائريثم أعلن في مارس 1944 عن تأسيس حزب
حركة أحباب البيان والحرية، بهدف الدعاية لفكرة الأمة الجزائرية [4]. وبعد
مجازر 8 ماي 1945 حل حزبه وألقي القبض عليه ولم يطلق سراحه إلا في عام 1946
بعد صدور قانون العفو العام على المساجين السياسيين، أسس بعد ذلك حزب
الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، و أصدر نداء أدان فيه بشدة ما اقترفته
فرنسا من مجازر رهيبة في 8 ماي 1945، و عبّر فيه عن أهداف ومبادئ حزبه
التي لخصها في " تكوين دولة جزائرية مستقلة داخل الاتحاد" [4].
بعد الثورة
بعد
أن اندلعت الثورة الجزائرية في 1 نوفمبر 1954، كتب فرحات عباس في صحيفة
الجمهورية العدد 46 بتاريخ 12 نوفمبر 1954: "إن موقفنا واضح ومن دون أي
التباس. إننا سنبقي مقتنعين بأن العنف لا يساوي شيئا". ولكنه ما لبث أن غير
موقفه تماما، إذ قام في أفريل 1956 بحل حزبه وانضم إلى صفوف حزب جبهة
التحرير الوطني وكان قبل ذلك قد توجه إلى القاهرة ليلتقي بقادة الثورة ومن
بينهم أحمد بن بلا، وفي صائفة 1956 قد قام بجولة دعائية للثورة الجزائرية
في أقطار أمريكا اللاتينية كما زار عدة عواصم عالمية أخرى، من بينها بيكين
وموسكو عام 1960. وبعد مؤتمر الصومام عين عضوا في المجلس الوطني للثورة
الجزائرية، وقاد وفد الجزائر في مؤتمر طنجة المنعقد بين 27 و30 أفريل 1958
الذي حضرته القيادات المغاربية، ثم عين رئيسا للحكومة المؤقتة للجمهورية
الجزائرية في 19 سبتمبر 1958 واستمر على رأسها إلى أوت 1961 ليحل محله بن
يوسف بن خدة، بعد أن اشتدت خلافاته مع القيادة العامة لجيش التحرير [5].
وبعد حصول الجزائر على استقلالها في 5 جويلية 1962، انتظمت يوم 26 سبتمبر
انتخابات المجلس الوطني، وقد نجح فيها فرحات عباس، وانتخب رئيسا للمجلس [2]
غير أنه ما لبث أن قدم استقالته في 13 سبتمبر 1963 نتيجة خلافه مع بن بلا
حول السياسة المتبعة، فرفت من جبهة التحرير الوطني وسجن بأدرار بالجنوب
الجزائري ولم يطلق سراحه إلى في شهر ماي 1965، فانسحب من الحياة السياسية
[2]. لكنه ما لبث أن أمضى في مارس 1976 على "نداء إلى الشعب الجزائري"
منددا بالحكم الفردي وبالميثاق الوطني الذي صاغه الهواري بومدين. فوضع تحت
الإقامة الجبرية إلى 13 جوان 1978 [2].