لم يكن شهر رمضان بكل ما يتضمنه من معان دينية وروحية بالمناسبة التي يغفلها الأدب والشعر العربي ، ولذلك وجدنا الأدباء والشعراء يحتفلون بهذا الشهر الكريم ، ويحسنون استقباله من خلال إظهار آثار الصوم على عادات الناس وسلوكياتهم ، باعتباره شهر للهداية والنصر والكرم والجود وحسن الخلق .
الترحيب بالهلال
]لقد جرت عادة الشعراء أن يرحبوا بهلال رمضان الذي يأذن ببدء هذا الشهر الكريم ، ويتفننوا في وصفه ويعدوه أمارة خير وبشارة يمن وبركة ، فيقول الشاعر ابن حمديس الصقلي
:
قلت والناس يرقبون هلالا يشبه الصب من نحافة جسمه
من يكن صائما فذا رمضان خط بالنور للورى أول اسمه
ويذكر البحتري هلال شهر شعبان حين أصبح قمراً يؤذن بطلوع شهر رمضان ، فيقول:
قم نبادر بها الصيام فقد أقمر ذاك الهلال من شعبان
ويقول الشاعر الجزائري محمد الأخضر يمتدح هلال رمضان:
أملأ الدنيـا شعاعا أيها النـور الحبيـب
قد طغى الناس عليها وهو كالليل رهيـب
فترامت في الدياجـي ومضت لا تستجيب
ذكّر الناس عهودا هي من خير العهـود
يوم كان الصوم معنى للتسامي والصعـود
ينشر الرحمة في الأرض على هـذا الوجـود
وفي الأدب العربي القديم والحديث تغنى الكثير من الشعراء بفرحة شهر رمضان ومنهم البحتري الذي قال في مديح الخليفة المعتصم:
بالبر صمت وأنت أفضل صائم وبسنة الله الرضيـة تفطـر
التهنئة بقدوم شهر رمضان:
ومن أحسن ما قيل في التهنئة بقدوم شهر رمضان:
نلت في ذات الصيام ما ترتجيه ووقاك الله لـه مـا تتقـيـه
أنت في الناس مثل شهرك في الأشهر أو مثـل ليلـة البـدر فيـه
ولهبة الله بن الرشيد جعفر بن سناء الملك في التهنئة بقدوم شهر رمضان من قصيدة طويلة:
تَهَنَّ بهذا الصوم يا خيـر صائر إلى كل ما يهوى ويا خير صائـم
ومن صام عن كل الفواحش عمره فأهون شيءٍ هجـره للمطاعـم
فضائل شهر رمضان:
تحدث الكثير من الشعراء العرب على مر العصور الإسلامية عن فضائل الشهر الكريم فقال أحدهم:
أدِم الصيام مـع القيـام تعبدا فكلاهما عمـلان مقـبـولان
قم في الدجى واتل الكتاب ولا تنم إلا كنومة حـائـر ولـهـان
فلربمـا تأتـي المنـيـة بغتة فتساق من فـرس إلـى أكفـان
يا حبذا عينان في غسق الدجى من خشيـة الرحمـن باكيتـان
وللصاحب بن عباد:
قد تعدَّوا على الصيام وقالوا حرم العبد فيه حسن العوائد
كذبوا في الصيام للمرء مهما كان مستيقظًا أتم الفوائـد
موقف بالنهار غيـر مريب واجتماع بالليل عند المساجد
وأنشد القاضي أبو الحسن ابن النبيه:
حبذا في الصيام مئذنة الجامع والليل مسبـل أزباله ْ
خلتها والفانوس إذا رفعته صائدا واقفًا لصيد الغزالـةْ
صوم الجوارح:
وفي شهر الصيام ، تصوم الجوارح كلها عن معصية الله تعالى ، فتصوم العين بغضها عما حرم الله النظر إليه، ويصوم اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة ، وتصوم الأذن عن الإصغاء إلى ما نهى الله عنه ، ويصوم البطن عن تناول الحرام ، وتصوم اليد عن إيذاء الناس، والرجل تصوم عن المشي إلى الفساد فوق الأرض . وفي ذلك يقول أبو بكر عطية الأندلسي :
إذا لم يكن في السمع منـي تصام موفي مقلتي غض، وفي منطقي صمـت
فحظي إذن من صومي الجوع والظماوإن قلت : إني صمت يوما فما صمت
ويقول الصابي في الذي يصوم عن الطعام فقط ويدعو إلى التخلي عن العيوب والآثام :
يا ذا الذي صام عن الطعام ليتك صمت عن الظلـم
هل ينفع الصوم امرؤ طالما أحشاؤه ملأى من الإثـم
ويؤكد أحمد شوقي ذات المعنى فيقول :
يا مديم الصوم في الشهر الكريم صم عن الغيبة يوما والنميمة
و قال أيضا:
وصلِّ صلاة من يرجو ويخشى وقبل الصوم صم عن كل فحشا
ولقد ذم بعض الشعراء ذلك الصنف من الموسرين البخلاء في رمضان والذين لم يعودوا أنفسهم على الجود والكرم والعطاء ، وفي هذا يقول الشاعر علي الجارم الذي نزل ضيفا عند أحد البخلاء فهجاه بقوله :
أتـى رمضـان غيـر أن سراتـنـايزيدون صوما تضيـق بـه النفـس
يصومون صـوم المسلميـن نهاره وصوم النصارى حينما تغرب الشمس
ريح المسك:
وإذا كان الجوع سببا من أسباب رائحة الفم الكريهة ، فإن ريح فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، كما حدَّث بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم . وفي هذا المعنى يقول الشاعر الكبير " محمد حسن فقي "في قصيدة زادت أبياتها على 150 بيتا ، نظمها بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك :
رمضـان فـي قلبـي هماهـم نشوة من قبـل رؤيـة وجهـك الـوضـاء
وعلى فمي طعم أحسّ بأنه الكتاب ولا تنممـن طعـم تلـك الجنـة الخـضـراء
لا طعم دنيانـا فليـس بوسعهـا بغتة تقديم هــذا الطـعـم للخلـفـاء
مـا ذقـتُ قـط ولا شعـرت بمثله ألا أكــون بــه مــن السـعـداء
رمضان في الشعر العربي(2)
ـ استقبال رمضان والفرح به
قال بعضهم:
جاء شهر الصيام بالبركـــات
فأَكـرِمْ به من زائرٍ هُوَ آت
وقال آخر:
أتـى رمضـانُ مزرعـةُ العبـاد لتطهيـر القلـوب مـن الفساد
فـأَدِّ حقـوقـه قـولاً وفعـلاً وزادُك فاتخـــذه للمعـــاد
فمن زرع الحبـوبَ ومـا سقاها تـأَوَّه نـادمـًا يوم الحصاد
وقال آخر:
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حـتى عصـى ربَّه في شهر شعبان
لقـد أظلك شـهر الصوم بعدهما فلا تُصيِّره أيضًا شـهر عصـيان
واتْلُ القرآن وسـبح فيـه مجتهد ًا فإنه شهـر تسـبيح وقــرآن
واحملْ على جسد ترجو النجاة له فسـوف تضـرم أجسـاد بنيران
كم كنت تعرف ممّن صام في سلف من بين أهـل وجيران وإخـوان
أفناهم الموت واستبقـاك بعـدهم حيًـا فما أقربَ القاصي من الداني
ومُعجـبٌ بثيـاب العيد يقطعها فأصبحـت في غـد أثواب أكفان
حتى متى يعمر الإنسـان مسـكنه مصـير مسكنه قبر لإنسان
ويقول مصطفى الصادق الرافعي أديب الإسلام:
فديتـك زائـرًا في كـل عـام تُحَيّـا بالسـلامة والســـلام
وتُقْبِـل كالغمـام يفيـض حِينًا ويبقـى بعـده أثــر الغمـام
وكم في الناس من كَلِف مَشُـوقٍ إليـك وكـم شجـيٍّ مسـتهام
رمــزت لـه بألحـاظ الليـالي وقـد عـيّ الزمـان عن الكلام
فظـل يعـدّ يومـًا بعـد يـومٍ كمـا اعتـادوا لأيـام السـقام
ومــدّ لـه رواق الليـل ظـِلاًّ تـرف عليـه أجنحـة الظـلام
فبـات ومـلء عينـيه منــام لتنفض عنهمـا كسـل المنــام
ولم أر قبـل حبـك مـن حبيب كفـى العشـاق لوعـات الغرام
فلـو تـدري العـوالم مـا درينا لحنّــت للصــلاة وللصيـام
بَنِي الإسلام هـذا خـير ضـيف إذا غشـي الكـريم ذرا الكـرام
يلُمُّكـم علـى خيـر السـجايا فشـدوا فيـه أيديـكم بعـزم
ويجمعكـم علـى الهمـم العظام كمـا شـدَّ الكميّ على الحسام
وقومـوا فـي لياليـه الغـوالي فمـا عـاجت عليكـم للمقـام
وكـم نفـر تغـرهـم الليـالي ومـا خلقـوا ولا هـي للـدوام
وخلـوا عـادة السـفهاء عنكم فتلـك عوائـد القـوم اللئـام
يحلــون الحـــرام إذا أرادوا وقـد بـان الحـلال من الحرام
ومـا كـل الأنـام ذوي عقول إذا عَـدُّوا البهائـمَ في الأنــام
ومـن روّتـه مرضعـة المعاصي فقد جاءتـه أيـام الفطـام
وقال محمد حسن فقي:
رمضـان.. في قلبي هَماهِمُ نشوةٍ مـن قبـل رؤية وجهك الوضاء
وعلـى فمـي طعـم أحس بأنه مـن طعـم تلـك الجنة الخضراء
لا طعـم دنيـانا، فليس بوسعها تقـديم هـذا الطعـم للخلفـاء
ما ذقت قـط ولا شـعرت بمثله أفـلا أكـون بـه مـن السعداء
قالـوا بأنـك قـادم، فتهلـلت بالبشـر أَوْجُهُنـا.. وبـالخيلاء
وتطلعـت نحـو السـماء نواظر لهـلال شـهـر نضـارة ور ُواء
تهفو إليه، وفي القلوب وفي النُّهـى شـوق لمقدمـه، وحسـن رجاء
لـم لا نتيـه مع الهيام.. ونزدهي بجـلال أيـام.. ووحـي سماء؟
بهمـا نُحَلِّق في الغمـام، ونرتوي مـن عذبه .. ونصول في الأجواء
ونشـف أرواحًـا فننهج منهجًا نفضـي بـه لمرابـع الجــوزاء
ونُصـِحُّ أجساداً، فلا نشكو الونى أبـداً ولا نشـكو مـن الأدواء
فنعـود كالأسـلاف أكـرم أمة وأعـز في الســراء والضـراء